تاريخيا تعاقبت امم كثيرة على احتلال فلسطين لمكانتها الدينية والإستراتيجية مثل الفراعنة والآشوريون البابليون والفرس والاغريق والرومان والفرنجة والاحتلال الفرنسي والانجليزي واخيرا الاحتلال الصهيوني .
وهناك مشاهد عظيمة لبعض مرات تحرير فلسطين ( دعويا أوحربيا ) خلدها القرآن والتاريخ ندرسها لنستفيد منها ونستقي منها الدروس والعبر وكأنها قواعد ومحطات وسنن بشرية وزاد على الطريق لابد أن يمر بها من اراد ان يسلك طريق التحرير مخلصا صادقا لكي يفتح الله على يديه .
المشهد الاول 1850 ق م .
بعد المحنة منحة :
كان إبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، هاجر إبراهيم ومعه ابن أخيه لوط قادما من العراق الى فلسطين ، بعد نجاته من نار النمرود ، قال تعالى {ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}
نزل إبراهيم عليه السلام فلسطين كامكافاة على صبره وثباته في مواجهة النمرود ولاستمرارية دعوة الحق والتوحيد على أرض خصبة هي الأرض المقدسة كما سيكلفه الله بإعادة بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى في فلسطين ؛ سكن إبراهيم عليه السلام في شكيم قرب نابلس ومنها انتقل إلى جهات رام الله والخليل والتي سميت باسمه والقدس .
وبرزت القدس كاموقع قيادة ابراهيم وإمامته للمؤمنين والموحدين في الأرض .
قال تعالى (۞وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰاهِـۧيمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ) سورة البقرة ١٢٤
{ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي: يقتدون بك في الحق والهدى وطلب إبراهيم ذلك المقام ، لتعلو درجته، وهذا أيضا من إمامته، ونصحه لعباد الله من ذريته، أن يكثر فيهم المرشدون. فأجابه الرحيم اللطيف، وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال: { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } أي: لا ينال الإمامة في الدين ولايستقر حكم على أرض القدس وفلسطين، لمن ظلم نفسه وضرها، بعدم اتباعه أوامر الله ورسله ومانزل من الحق . وهذا ما حدث بالفعل من هلاك وشتات لبني اسرائيل من ذرية اسحاق ويعقوب عليهما السلام فيما بعد. بسبب نقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء وكفرهم بآيات الله .
عاصر إبراهيم عليه السلام حاكم القدس "ملكي صادق" وكان موحداً وكان له دوره الدعوي في نشر رسالة التوحيد في كل أرجاء فلسطين دون أن يصدهم صاد أو يردهم راد .
المشهد الثاني 1550ق م .
ولد يعقوب عليه السلام من ذرية إبراهيم من ولده اسحاق في القرن 18 ق.م (حوالي 1750ق.م) في فلسطين، غير أنه هاجر إلى الرها وقد رجع يعقوب عليه السلام وأبناؤه إلى فلسطين وسكن عند "سعيّر" قرب الخليل، وقصته وقصة ابنه بوسف عليهما السلام مشهورة ومفصلة في سورة يوسف من القرآن الكريم. وهي التي تحكي تآمر إخوة يوسف على يوسف وإلقاءه في البئر واكتشاف قافلة له وبيعهم إياه في مصر، حيث شبّ هناك ودعا إلى الله وصمد أمام فتنة النساء وصبر في السجن حتى أكرمه الله بأن يوضع على خزائن مصر بعد تأويله الرؤيا وثبوت براءته. ثم إن يوسف استقدم أباه يعقوب وإخوته إلى مصر حيث رد الله البصر إلى يعقوب بعد أن ابيضت عيناه على فراق يوسف، كما عفا يوسف عن إخوته، وتذكر بعض الروايات أن يعقوب عاش في مصر 17 سنة غير أنه دفن عليه السلام إلى جوار جده وأبيه إبراهيم وإسحاق في الخليل. والله اعلى واعلم .
ويبدو أن تلك الفترة التي عاش فيها يعقوب وأبناؤه في مصر كانت توافق حكم الهكسوس لمصر وهم أصلاً من غير المصريين ( قبائل رعوية من صحراء بادية الشام والنقب) ويمثل حكمهم الأسرتين 15 و 16 من الأسر التي حكمت مصر، واللتين امتد حكمهما لمصر من 1774 – 1567ق م.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :أتى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعرابيًّا فأكرَمه فقال له : ( ائتِنا ) فأتاه فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( سَلْ حاجتَكَ ) قال : ناقةٌ نركَبُها وأعنُزٌ يحلُبُها أهلي ] فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أعجَزْتُم أنْ تكونوا مِثْلَ عجوزِ بني إسرائيلَ ) ؟ قالوا : يا رسولَ اللهِ وما عجوزُ بني إسرائيلَ ؟ قال : ( إنَّ موسى عليه السَّلامُ لَمَّا سار ببني إسرائيلَ مِن مِصرَ ضلُّوا الطَّريقَ فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤُهم : إنَّ يوسُفَ عليه السَّلامُ لَمَّا حضَره الموتُ أخَذ علينا مَوثقًا مِن اللهِ ألَّا نخرُجَ مِن مِصْرَ حتَّى ننقُلَ عِظامَه معنا قال : فمَن يعلَمُ موضِعَ قبرِه ؟ قال : عجوزٌ مِن بني إسرائيلَ فبعَث إليها فأتَتْه فقال : دُلِّيني على قبرِ يوسُفَ قالت : حتَّى تُعطيَني حُكْمي قال : وما حُكْمُكِ ؟ قالت : أكونُ معكَ في الجنَّةِ فكرِه أنْ يُعطيَها ذلكَ فأوحى اللهُ إليه : أنْ أعطِها حُكْمَها فانطلَقَتْ بهم إلى بُحيرةٍ موضعِ مُستنقَعِ ماءٍ فقالت : أنضِبوا هذا الماءَ فأنضَبوه فقالتِ : احتَفِروا فاحتَفَروا فاستخرَجوا عِظامَ يوسُفَ فلمَّا أقلُّوها إلى الأرضِ وإذا الطَّريقُ مِثْلُ ضوءِ النهار.- صحيح ابن حبان .
ومن حديث الحبيب محمد (ص) نجد هنا فوائد.
اولا / إصرار يوسف عليه السلام أن يدفن في الأرض المقدسة؛ وهذه الوصية والطلب سيتكرر كثيرا لمن بعده لارتباط الانبياء وحبهم الشديد للأرض المقدسة.
ثانيا / عندما اتبع بنو إسرائيل الانبياء وانصاعوا لاوامرهم وطبقوا وصاياهم جلى الله وأوضح لهم الطريق الى القدس كاضوء النهار .
ثالثا / تكرر قاعدة( بعد كل محنة منحه )
بعد محنة يوسف من فقد الوطن والاسرة وظلم الأخوة وفتنة النساء والمال والسجن وهذه التضحيات العظيمة أكرمه الله بمنحة العفاف والسلطان والسؤدد وان يظهر على من ظلمه ويعفو عن من حرمه ويدفن في فلسطين الأرض المقدسة ارض الانبياء .

